قال ابن فارس[1]: كل حرف في القرآن من "رجز" فهو العذاب، كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل ﴿ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ ﴾[2]، إلا في سورة المدثر ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5]، فإنه يعني: الصنم فاجتنبوا عبادته[3].
قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴾ [5]، فالعامل في "إذا" ما دل عليه قوله: ﴿ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ﴾ [6]، والتقدير فإذا نقر في الناقور صعب الأمر[7].
﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾ [المدثر: 11]
قال رحمه الله: قيل في قوله تعالى: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾ [المدثر: 11]، إنه الوليد بن المغيرة[8].
قوله تعالى: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾ [المدثر: 11]، فإنه يحتمل أن يكون خلقته وحيدًا فريدًا من ماله وولده، وفي الآية بحث آخر وهو أن أبا البقاء[9] أجاز فيها وفي قوله: ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ﴾[10]، أن تكون الواو عاطفة، وهو فاسد؛ لأنه يلزم منه أن يكون الله قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتركه، وكأنه قال: اتركني واترك من خلقت وحيدًا، وكذلك اتركني واترك المكذبين، فيتعين أن يكون المراد: خل بيني وبينهم، وهي واو "مع" كقوله: "لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها"[11].
قوله تعالى: ﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾ [المدثر: 19، 20]، فأعيد تعجبًا من تقديره وإصابته الغرض، على حد قاتله الله ما أشجعه![12] فإن قلت: ما معنى "ثم" الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت: الدلالة على أن الكرّة الثانية من الدعاء أبلغ من الأولى[13].
قال رحمه الله: قد حكى الله عن بعض مردتهم -وهو الوليد بن المغيرة المخزومي- أنه لما طال فكره في القرآن، وكثر ضجره منه، وضرب له الأخماس من رأيه في الأسداس، فلم يقدر على أكثر من قوله: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 25]؛ عنادًا وجهلا ًبه، وذهابًا عن الحجة وانقطاعًا دونها[14].
وقال رحمه الله في مبحث "القدر المعجز من القرآن": الوليد بن المغيرة- لعنه الله- كان سيد قريش وأحد فصحائهم لما سمعه أخرس لسانه، وبلد جنانه، وأطفئ بيانه، وقطعت حجته، وقصِم ظهره، وظهر عجزه، وذهل عقله، حتى قال: فد عرفنا الشعر كله هَزَجه ورجزه، وقريضَه، ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر! قالت له قريش: فساحر؟ قال: وما هو بساحر، قد رأينا السُّحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، والله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه ليعلو ولا يعلى، سمعت قولاً يأخذ القلوب، قالوا: مجنون؟ قال: لا والله ما هو بمجنون، ولا بخَنْقه ولا بوسوسته ولا رعشته، قالوا: كاهن؟ قال: قد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا بسجعهم، ثم حملته الحمية فنكص على عقبيه وكابر حسَّه فقال: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [15].
قال ابن فارس[16]: كل ما في القرآن من "أصحاب النار" فهم أهل النار، إلا قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ﴾ [المدثر: 31] فإنه يريد خزنتها[17].
﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ ﴾ [المدثر: 32]
قال رحمه الله: "كلا" تكون بمعنى حقًا، صلة لليمين، كقوله: ﴿ كَلَّا وَالْقَمَرِ ﴾ [18].
﴿ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 36]
قوله تعالى: ﴿ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 36]، فإن كان ﴿ نَذِيرًا ﴾ [المدثر: 36] بمعنى المنذر، فهو مثل: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]، وإن كان بمعنى الإنذار، فاللام مثلها في: "سقيا لزيد"[19].